هِكسا كونِكشن: أن تكون هِكساويًا.

’’كشاف مرة، كشاف للأبد‘‘ دومًا ما تهافت لسمعي هذا القول من كشفيين سابقين، يرددونها بفخر، مثل تواتر ذات السؤال، مرارًا وتكرارًا: “كنت في الكشافة أنتَ؟”

أن تكون كشافًا يعني أن تكون شخصًا فريدًا -عظيمًا- إن جاز الوصف

طوال فترة الإبتدائية، لم يتوقف والداي -أمي تحديدًا- عن رغبتها بإلحاقي للحركة الكشفية، ولطالما كانت لدي رغبة في أن أكون فردًا فيها، كانت -وربما لازالت- شيئًا مثيرًا بالنسبة لي، لكن بالتأكيد فإن هدفي وهدف أمي من انخراطي في الحركة الكشفية مخلفان كليًا، لست جازمًا لِمَ كانت أمي لحوحة في مسألة الكشافة هذه، لكن بلا شك هو أن الهدفان الرئيسيان كأن “تقوية عودي، وأن أكثر خشونة” ولا بد أن للصورة الإيجابية التي تمحنها عضوية الكشاف دورٌ في هذا أيضًا، فأن تكون كشافًا يعني أن تكون شخصًا فريدًا -عظيمًا إن جاز الوصف! أما أنا -الساذج أنا- كان كل اهتمامي نابعٌ من قرب الكشاف إلى الطبيعة، والنشاطات الكشفية التي تبدو “لطيفة” في الكارتون!
لكن الحقيقة، أن تلك الأفكار والرغبات، ظلت مجرد نوايا، فالمهم هو النية، وإنما الأعمال بالنيات -نموذج للمسلم المثالي! ظل حلم الكشافة رفقيًا لي طوال عمري، حلمٌ لن يتحقق؛ لكن غيره تحقق.

’’كشاف مرة، كشاف للأبد‘‘

لم أكن محظوظًا لأكون كشافًا، لأنهل منهم ما يشتهرون به من صفات: “الإلتزام، الحضور، مهارات التواصل، التفاني، إلخ القائمة‘‘؛ لكنني كنت محظوظًا كيف لأن أكون من ضمن فريق هِكسا كونكشن، التي لا بد أنها كانت خير بديل لفرصة الصغر الضائعة!
بدأ الأمر قبل أن يبدأ، منذ أن كانت مجرد كلمة! حينها كنت هائمًا بلا رشد لا أدرك أي مسلك أسلك -مازلت كذلك على أي حال-، وما الذي أهواه، أدوّن حينًا، وتارة أصمم وأزعم أنني مصمم! من هناك خاطبني أمجد*: “ألكَ أن تصمم؟” فانتفض الأخرق الصغير في داخلي مجيبًا “نعم” فكانت النتيجة أن صممت شعارًا قبيحًا، لهِكسا، كان ذلك في أواخر 2013، قبل وقتٍ طويل من الانضمام فعليًا لفريق هِكسا.
فالبداية فعليًا كانت مع ديسمبر 2015، حينها كانت هِكسا تحاول التمدد من طرابلس العاصمة، نحو بنغازي شرقًا..

هِكسا بنغازي!

خلال عامين في طرابلس، نجحت هِكسا لحد كبير في مساعيها، كمنظمة صغيرة بسيطة الإمكانات، تمكنت من تنفيذ جملةٍ من المشاريع ذات الأثر، وكان التوسع شرقًا نحو بنغازي الخطوة القادمة، بدأ الأمر مع “ساعة برمجة” حينها طُلبَ مني المساعدة والتطوع، لأجد نفسي في نهاية الأمر مسؤولاً عن الفريق بالمنطقة! لم أستسغ يومًا فكرة الانخراط في هِكسا -قبل أن أنخرط فعلاً- فلطالما كانت هِكسا بالنسبة لي “كلية IT” في صورة “م.غ.ر**” وحتى حينما قبلت المشاركة في ساعة برمجة آنذاك قبلت بها على مضض، وبفعل الضجر! [قصة كرهي للـIT طويلة، قد تروى تفاصيلها مرة أخرى]

كانت تلك التجربة التي غيرت من أفكاري المسبقة، على مدى 5 أيام رفقة العشرات من فتية وفتيات الكشاف حظيت بوقتٍ ممتع، ومرهق، وأجهت فيها رفقة الفريق صعوبات وتحديات جمّة، وصلت لحد التهديد، وربما هذا ما حفزني على أن أكون هكساويًا!

أن تكون هِكساويًا

لا يهم إن كنت تعرف هِكسا أم لا، إن كنت تحبها أو تكرهها، إن كنت على وفاق مع من فيها أو خلاف؛ لأن الحقيقة المجردة أن تجربة هِكسا كانت فريدة، لقد نجحت ولو بالكم البسيط!
بعد الانتهاء من مشروع ساعة برمجة، بدأنا في العمل أكثر وأكثر على إحلال نشاطات وفعاليات أكثر ببنغازي، الهدف كان بسيطًا نشر رسالتنا، رسالة هكسا التكنولوجية؛ عبر سلسة من جلسات هِكسا هانچاوتس، أو إحياء الأحداث العالمية مثل يوم الأردوينو، كل تلك النشاطات وغيرها كانت في بعض الأحيان تحدث بشكل متزامن في كل من طرابلس وبنغازي، بل وأحيانًا أكثر بنشاطاتٍ عبر البحار، تلك كلها كانت محاولات وسط تحدٍ حقيقي سياسي وأمنّي، استطاعت هِكسا لأمدٍ طويل اجتيازه!
أن تكون هِكساويًا هو تمامًا كما أن تكون كشفيًا، إنها رحلة طويلة من التعلم، وجرعة من الفخر، ذلك هو ما لن أنساه لهِكسا، طوال سنواتي الثلاث/الأربع في هِكسا تعلمت الكثير، ولا خير من وسيلةٍ للتعليم مثل التعلم الذاتي والعملي، وهذا هو أسلوب هِكسا!
حققنا في هِكسا تغييرًا حقيقي ملموس، صارت التكنولوجيا قضية أساسية تهم شرائح واسعة ولم تعد محصورةً في طبقة قليل تدعى بالـ”Geeks”، نقلت لوحات دارة رقمية لا يبالي بها إلا مهووسي التكنولوجيا إلى بطولة وطنية يهتف لها الجمهور! ألهمت هِكسا الكثيرين.. ومن رحم رسالتها شهدنا العشرات من المنظمات والشركات التي تشارك الرسالة والأهداف، تلك هِكسا، هِكسا التي أعرفها، والتي كانت لأن مَنْ خلفها أرادوها أن تكون!

في ذكرى ميلادها السادس، #هكسا_للأبد!

* أمجدبدر، صديق مثير للجدل، وأحد مؤسسي منظمة مجتمع هِكسا للتنمية التكنولوجية (أ.ت.ك: هِكسا كُونِكْشِن)
* م.غ.ر: منظمة غير ربحية

في الموت، وما يليه

مؤخرًا توالى الموت لمن نحبُ كثافةً! لا أدري بحق إن كنتُ دراما كوين، أم حقيقة لكن من أحب يموتون واحدًا تلو الآخر تمامًا مثل شعري الذي لا يكف عن التساقط.

كم إن تشبيهي بخسٌ وضيع، أشبه خصلات الشعر بالبشر، لكن حياتنا وضيعة، وأثماننا تزداد بخسًا، ثانية بعد دقيقة، ودقيقة بعد ساعة، وإلى آخر هذه المتسلسلة الوضيعة.

يومها، كنت مستلقٍ على فراشي، لا أذكر ما كنت صانعٌ إلا أنه بلا وجل شيء بلا قيمة، قدر قيمة الصعقة في تلك الليلة، حينما سأل قريبي مستفسرًا إن كان صحيحًا أن صديقي قد مات؟ 

في طفولتي فقدت جدّي، أو باتي كما كان يحلوا لنا أن نسميه –أو كما علمونا- كانت تلك جمعة سوداء كئيبة وحقيرة، زادت كرهي لأيام الجمعة المتربة الحارة.. بيت جدي الذي كان مصدر سعادتي ومرحي، وعتقي من حبس المنزل؛ صار كئيبًا الكل يبكي وينوح، يومها، عاهدت نفسي أنه إن فقدت جدتي –أمي– فسألحقها ولن أسمح بأن يتكرر ما حدث مع باتي فالفراق شديد العذاب! لكنذي جبنت.. رحلت أمي ومن ثم أمي الأخرى ولم أستطع أن أصنع شيئًا صرت يتيم الجدود، وإن لفراقهم صعب! غادروا ولم أفعل إلا البكاء والنحيب.. تلك اللحظات كانت دومًا تشعرني أنها أسوأ ما حدث وأن ليس بوسعي العيش من بعدها، تزيد من رغبتي في الموت. لكنني عشت، وظللت أعيش، يومًا بعد شهر، وعامًا بعد عقد، مازلت حيًا رغم مداهمة الموت لمن أحب من أقارب، أأنا حقًا دراما كوين؟

حينها، كنت للتو عائدًا للمنزل بعد لهوٍ في أزقة طرابلس، أهم بتناول العشاء، لتنظر أختي في عيني بشفقة، لقد مات صديقك! مهلاً لقد فقدت ما يكفي من أصدقاء لا أريد أن أفقده هو أيضًا، ليس من العدل أن يغادرنا لازلت لم أفرغ من أحاديثه بعد..

مجددًا، دومًا ما ظننت أن موت أقاربي المحبين أمرًا مؤلم، ولكن أشدة ألم فراقهم أهون من فراق من نحب من أصدقاء؟ لقد اخترنا أن نكون أصدقاءً لهم، لكن الأقارب اصطفاهم النسل، مجددًا أيضًا، الموت وضيع.

حينما يموت من نحب من أصدقاء، نكون قد فقدنا أشخاصنا نعيش معهم من ذات عمرنا وأفكارنا، من ذات حياتنا، من روتينينا، ليتحولوا إلى صورٍ نرثيها على فيسبوك وتويتر، نتاجر بها، ونزايد، أهذا ما أريده إن مت؟ أن يمسي أشخاصًا قد لا أعرفهم حق المعرفة أصدقاءً لأسمي الميت؟ دومًا ما أتسائل إن كان ما نفعله يرضيهم، كيف لنا أن نعرف تذمرهم؟ صار الأمر أقرب إلى التملق والتفاخر بهم ليس أكثر، إننا بلا وجل جشعون، نحب أنفسنا، ولكن كيف للموتى أن يدافعوا عن أنفسهم، أحبوهم سرًا استذكروهم سرًا وجهرًا، ولا تتبجحوا بلقياكم لهم، وتكلفوا أنفسكم متحدثين باسمهم، ناطقين عن لسان حالهم، مستغلين لصنيعتهم في حياتهم.

لقد وعدتهم بأن لا أنساهم، شهر فسنة، كانت ذكراهم دومًا في البال؛ وثم مرت سنواتٌ أربع، وصار ذكراهم أكثر تقطعًا.. أيها الموت، ما الذي بوسعي أن أقوله لك؟

أنتم يا من رحلتم أكره فراقكم لنا، لازلت طمعًا بقضاء المزيد من الوقت معكم! فما يلي موتكم مُر.

أنا البلا إحساس

مؤخرًا فقط، اكتشفت أن في صورة نمطية عنّي نوعًا ما تفيد بأني إنسان عديم الإحساس، أو متبلد، وأعتقد أن أسباب ذلك تختلف، من قناعاتي في آليات العمل، وصولاً إلى تغريداتي..

لطالما تحذلقت، ولم أعر التغريدات وفحواها انتباهًا، كل ما لفت انتباهي هو القراءة ثم التصويب، وهكذا. وحينما أزل، أتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعني – السطر الأخير خارج السياق- عودة للسياق، فإني كعاشق لمفاهيم الحيادية والتمهن وما إلى ذلك من مثالية بالية، فإنني أحب أن أرى الناس بمعاملة روبوتية في تعاملاتها العملية، كيف؟

العمل ينبغي أن يكون جامد، ينبغي ان نكون متجردين من مشاعرنا الانسانية العادية إلا ما اقتضت الحاجة، ينبغي كبث ردود الفعل وعدم التأثر -نسبيًا- ونسبيًا هنا تعود لنوع العمل فليس من المنطقي إظهار التعامل الروبوتي إن كنت عاملاً في مجال إنساني مع طفل يصارع الموت جوعًا! لكن مثلاً تخيل أن تكون عاملاً في تنظيم جلسةٍ ما وتحدث أحد مناقشيك بالإيجاب عن مسألة ذات شأن أصيل وتأثير سلبي مباشر على حياتك، هنا ينبغي كبت أحساسيك كافة، أنت هنا عدمي لا تملك أي إحساس، هكذا تنجح -هكذا أرى- وهم الحيادية شيء جميل، ويمنح مريديه شيئًا من الطمانينة النفسية لإحساسهم بسموهم عن ترهات الاحتراب في الأراء..

مازلت معايا؟ عودة لأنا عديم الإحساس؛ أعتقد جازمًا بأنني حقًا أعاني مشاكل في “الحسية” فأنا متبلد الأحاسيس في العديد من المواضيع، كما إن ابدئي التعاطف أو الحزن لغيري حينما يواجهون مصابًا عادةً ما يبدو مصطنعًا. لكن، أعي جيدًا أنني لست متبلدًا الأحاسيس، ولازلت إلى اليوم أستغرب كيف يستغرب الناس حينما يعلمون أنني بكيت على مشهدٍ فِلمي أو تلفزيوني ما – أو ربما حتى وثائقي.

الفلسفة التي خلصت إليها بشأن ذاتي الإحساسية بإختصار هي أن ذاتي شديدة الحساسية والعاطفة حينما تعي المواقف من حولها، حينما تتقمص من حولها، وتحاكي سيروراتهم، إلى أنها مع ذلك شديدة النفور من العواطف أثناء الرسميات، ومتبلدة المشاعر عن بعد، فكما يقال: البعيد عن العين، بعيد عن الروح.

ختامًا، كونوا روبوتًا في العمل، وما أخشاه أن يصبح الروبوت إنسانًا!

بريد ليبيا يتعلم في راسي

من بداية السنة بديت نتعامل مع شركة بريد ليبيا، لجوار أن موقع الشركة كان مغريًا بالخدمات المعروضة، ولجوار الرغبة في إمتلاك صندوق بريدي من الصغر، فتدوينة وتملك أمجد بدر لصندوقه البريدي الخاص وسرده لخطوات العملية زاد من حتمية وضرورة الخطى نحو بريد ليبيا!

الجمال والآناقة والحياة الوردية اللي كان الموقع يوريلي فيها عن الشركة [قبل ما يتدخلوا توا وينشروا كم صورة بتصاميم عبيطة مش من إنتاج العنكبوت الليبي] كانت عكس الواقع تمامًا، أول ما خشيت للشركة قابلاني موظفات متململات [متململ للي عربيته ضعيفة يعني يحسوا بالملل] من عملهن وربما حتى يجهلنه، كانت إستمارة إشتراكي في خدمة صندوق البريد قديمة مطبوعة من القرن العشرين، باسم “الشركة العامة للبريد والإتصالات السلكية واللاسلكية” وفي خانة التاريخ كانت السنة مطبوعة سلفًا بـ”19″ ومن ثم خانتين لباقي رقمي السنة! مش حنغوص في تفاصيل واجدة، لكن فتحة صندوق بريد مرهقة هنا، بعد ما اتكمل اجراءاتك الورقية أنت اللي حتجري على مفتاح صندوقك البريدي (بـ20 جنيه) تمشي لمحل معين في حد الدنيا [من مقر الشركة] بدال ما تكون جزء من عملية الحصول على صندوق بريد وتتحملها الشركة [فعليًا بنغازي بس فيها اللقطة الغبية والمكلفة هذي]، كانت تجربة سيئة، واستمرت حتى في إرسال الرسائل، لأن الموظفين بشكل جلي ما عندهمش خبرة أو معرفة كافية بخدمات الشركة رغم أنه واضح أنهم سنين عمرهم مشت في الشركة هذ!

سِلفي الحوالة الأولى
سِلفي أول عملية حوالة مالية في دقيقة!

اليوم، [23/08/16] جاء اليوم اللي صادف أني احتجت فيه لليبيا بوست مرة أخرى، واليوم هضا برضوا هو أول يوم في تاريخ بريد ليبيا – بنغازي يشتغلوا فيه بخدمة الحوالة المالية الداخلية في دقيقة، الحوالة المالية اللي كانت مفروض توصل من طرابلس في دقيقة، خلتني نرجى ساعة ونص بالضبط، فأول ما خشيت للمقر طلبوا مني نرجى المسؤول عن الخدمة اللي كان في وحدة من الأدوار اللي فوق لسبب غير معلوم، وبطبيعة الحال لما نعرف أني أول زبون حنعذر الراجل من حقه شن بيدير في الكساد هضا، عمومًا بعد ما وصل تبين أن في خطأ حتى من جماعة بريد ليبيا في طرابلس لأنهم مش عاطيين الباسورد للراسل بيش يعطيه للمرسل، لكن هما بعدين حصلوه بطريقة أو بأخرى بعد اتصالهم بزملائهم في طرابلس، مش هنا الموضوع إنما قصة ام بسيسي اللي صارت علشان يطبعوا القسيمة/الإيصال الخاص بالإستلام العملية اليسيرة اللي ما تحتاجش إلا لحظات من كتابة البيانات ونقر الكيبورد والتجارب الخاطئة في الطبع وأشياء أُخر، موظفي الخدمة أجريت لهم تدريبات على الخدمة ومنظومتها وكافة آلياتها، إلا أن نظام التسويق والترويج البالي للشركة أنسى هؤلاء الموظفين عملهم الأساسي فلأكثر من عام لم يستقبلوا أي عميل، إلى أن جاء صاحب السعد “وسام”!

بريد ليبيا، يمكن أن تكون من أفضل شركات “الليبية القابضة للإتصالات” إن تخلصت من جزء كبير من كادرها الوظيفي الطاعن في السن ربما وتم ضخها بدماء شابّة جادة تسعى للعمل لا التعيين لغرض مرتب حكومي إضافي إلى جوار عمله في دكانه أو على سيارته، لو، تظل لو، لكن الخدمات المعلنة ممتازة وموظفيهم -لا!

ذكروني ما ننسش نجدد إشتراك صندوق بريدي السنوي..

“أتاي” عظمة الشاي

PS: طريقة إعداد الأتاي أسفل النص

من وأنا صغير [عادة نقول “من وأنا أنا صغير” مش عارف ليش] ديمة كنت نفكر لما نمشي للمدرسة ونروح يلي تلاقيت معاهم في المدرسة أهمه يروحوا شن يديروا؟ عايشين في نفس العالم اللي عايش فيه ويديروا في نفس الحاجات اللي ندير فيها؟

كنّا عيلة صغيرة وأنا صغير مافيش إلا أنا وأختي، باتي وأمي، عايشين في نظام ثقافي مختلط، مش متذكر أن الحليب والشاهي جزء أساسي من فطورنا [ولو أنه قعد هكي توا]  لكن أول ما نطلعوا من عالمنا الصغير هضا لعالم “أمي حليمة” [بيت جدي -كنّا نسمو في جدي وجدتي بباتي وأمي وكنا نحذفوا في واو العطف بين “أمي” أي جدتي و”حليمة” أي عمتي] كنا [لما نقول كنا يعني أنا وأختي] نحقوا في السائل اللي لونه قهوي على بيج واللا مش عارف كيف… الشاهي الحمَّر، متعته الوحيدة كانت هي انك تشوف الشكل الفني اللي يدير فيه الشاهي الحمر وهو يخترق في سحابة الحليب المركز الواجد.

كانت البيتة عند “أمي حليمة” معناها معش في فطورنا اللي تعودنا عليه حليب الباكو اللي ع أساس جاي من بقرة، حليب الحكيّة “الحُكة” كان هو اللي مسيطر على العالم هضا، النتيجة كانت أمي الله يرحمها [جدتي] أدير في حلها السحري “خفف حليب الحكية المركز” وتراااا..

جديات، كانت طعمته شينة مقارنة بالباكو لكن، اللي تجي أرضى بيها، الحليب والشاهي ماعمريش حبيته من هضاك الوقت لعند اليوم إلا في حال تغطس فيه بشكوط 😅، في عالمنا الصغير كان في شراب تعلمت أني نسرف في حبه وبالتالي في شربه، سعره في لونه الذهبي الفاتن، إنه الأتاي العظيم.

من ونحن صغار تعلمنا أن في حاجة اسمها شاهي خضر وشاهي حمر، تعلمنا أننا نحبوا الشاهي الخضر لكن ما نحبوش الحمر، وتعلمنا أنه في الكورة المفروض نديروا العكس: نشجعوا الفريق الحمر لكن نكرهوا الخضر، لكن على عكس الكورة اللي كان من ندعموا من الفرق محدد سلفًا، فحب الشاهي كان اختيار.

أثناء حالات التخيير بين الشاهي الخضر ولا الحمر في ليبيا الاجابة كانت ديمة للخضر، لكل الصدمة كانت أن الشاهي الخضر مش هو نفسه اللي تعودنا عليه في عالمنا الصغير مش هو الأتاي، هضا شاهي أحمر حتى هو لكن سموه خضر ليش ادوخوا فينا؟ البداية كانت من ترجمة اسم الأتاي للشاهي الخضر، هي اللي لخبطت الموضوع بكل، لكن كبرنا وتعلمنا، عمركش تطلب لا شاهي خضر ولا حمر، صبي ديره بروحك.

الأتاي، هو حاجة تنشرب ساخنة لكن لحد زي ما يحبش الساخن ينشرب دافي شوية تقدر تراجيه يدفى أو تقدر تبرد بأنك تصبه من كباية لكباية وتقعد اتعب ف روحك، في المغرب كانت خالتي تصب في الأتاي في عرم كبابي/طاسات [كاس بالمغربي] وتحطهن في زي البانيو أو المحبس أو مش عارف شن اللي مفروض يكون اسمه يكون معبي بميّة مسقعة، فتصير عملية التبريد من دون عناء في الجهد.

كاس ديال الأتاي
كاس ديال الأتاي

الأتاي ليه تقاليده، مثلا: بعد تكمل كاسك وتبي تزيد حتكون سخيف لو جيت وخذيت البراد وصبيت لعمرك زيادة طالما في حد كبير هو اللي مسؤول عن الصب واللي أصلاً عادة حيكون البراد قدامه راجيه هو/هي حتصبلك! هضا طبعًا في الحالات العائلية. في تقاليد عرم مختلفة شوية ممكن ليها علاقة حتى بالعبودية أو حاجة هكي، لكن ما علينا، نجو لأهم تقاليد الأتاي المشحر… الصبة، مش صبة الحوش لكن صبة الشاهي، أو الأتاي، لازم اللي يصب يكون رافع البراد  أعلى مسافة يقدرها من الكباية/الكاس علشان تقعد فيه رغوة، لأن “الكاس ديال الأتاي” [طاسة الشاهي] اللي مافيش رغوة معناها “ما مصاوبش مزين” أو “مامقادش” في رواية أخرى [هن الاثنين معناهن مش مديور كويس] في حاجة أخرى؟ أه نسيت في حركة لازم ما تندار تقليديًا وهي أنه اللي يصب الأتاي يصب في أول كاس وياخذ اللي صبه ويرده للبراد، ما عمريش سألت عن السبب لأني ديما حسيت أنه حاجة ما لازم تندار لكن تهيالي الفكرة منها هي التأكد من أن الأتاي “مقاد مزيان” يعني يتأكد اللي يصب من أن اللون مناسب مش أصفر معناها مازال ماطابش ومش داكن وأجد معناها قوي وبرضوا لأن في اللي يضوقوا فيها الكباية الأولى هذ علشان التأكد من الحلاوة وهك.

كيف نديروا الأتاي؟

الأتاي تبيله 4 حاجات بس يعني هو أعقد من الشاهي الحمر اللي تبيله 3 حاجات بس، في الاتاي أنت تبي نعناع وحشيش خضر [شاي أخضر]، وسكر وأمية.

  1. الأساس هو أنه يتم تنقاي النعناع كويس وغسله كويس ونقعه في الأميّة لعند ما نحتاجوله، واللي يشري النعناع لازم ما يحاول ياخذ النعناع اللي يكون طازة ولما يلقى ورقة النعناع حرشة فهضا عز الطلب ياخذه دغري وهو مغمض عيونه، ولو لقا النعناع فيه الزهر أو الورد متعه يخليه عادي مفيشي شي، لكن في التنقاي لازم ما يكون كويس في الربطة لانه لو زرقت عشبة طعمة الشاي حتخرب بكل.
  2. تاخذ براد اتعبيه اميَّة وتحطه ع النار واتراجيه يغلي، في الوقت هضا تمشي تاخذ كشيك أو كشيكين من حشيش الشاي الخضر [حسب كبر البراد] وتحطها في كوباية عادي.
  3. بعد تغلي الماية اللي في البراد، عدي صب منها شويّة في الكباية متع الحشيش، وخلي الحشيش يتنقع شويه، شوية يعني دقيقة – لدقيقتين المهم ما يزيدنش عن خمس دقائق.
  4. رد لكباية الحشيش وصفي الكباية من الماية علشان تحصل الحشيش المنقع، الطريقة الأيسر هي أنك تاخذ الكشيك وتحطه في نهاية الكباية وتبدا تبزع في الماية لعند يقعد الحشيش بس، أو خوذلك صفية لو عندك وبلا هرجة.
  5. فورًا ينحط الحشيش في براد الماية اللي ينحط ع النار من جديد وينحطله فيه مع الحشيش سكر، توا تقعد تراجي غلية وحدة ع السريع يعني ماكسيموم 5 دقايق واطفي عليه وتحط النعناع [كمية النعناع تقديرية هي كمشة وخلاص] في البراد وتسكر عليه، ودابا انت/انتي صاوبت/صاوبتي الأتاي، تبارك الله عليك!