من ليبيا الإيطالية حتى الجماهيرية

في بلادٍ اعتادت على أن تكون فقيرة في التوثيق، يعد “ذكريات حياتي” قيمًا كمنبع لمعرفة أجواء حقبة من التاريخ التي عصفت بهذه الصحراء، فالمملكة المثالية التي صدع الكهول رؤوسنا بها بعيد الحرب الأهلية الأولى وأتبعهم اليافعين في غفلةٍ من أمرهم لم تكن إلا مملكة هزيلة من القش ببترولها ومن دونه.

يبدأ الكاتب بسرد سيرته في “ذكريات حياتي” منذ هجرة أجداده من مصراتة إلى بنغازي ومقر سكناهم واستقرارهم ثم يتطرق إلى طفولته، ويتخذ تهجمًا في شيء من المبالغة اتجاه الإستعمار الإيطالي خاصةً في مجال التعليم، رغم أن بداية تعلمه تعود بفضل هذا الاستعمار، فالاحتلال العثماني لم يسعى أبدًا إلى إيجاد مدارس لتعليم الليبيين على سبيل الذكر.

بعد عودتنا إلى بنغازي، إلتحقت أنا وأخي الأكبر بمدرسة الفنون والصنائع، والتي كان يذهب إليها معظم أبناء بنغازي الذين كانوا في حاجة ماسة إلى الدراسة والتعلم، وهذه المدرسة أسست بعد معاهدة الصلح التي تمت بين المجاهدين وإيطاليا، وهي تشمل ثلاث سنوات ابتدائية، وثىث سنوات إعدادية.

كما يسرد فترة عمله في المهجر مع مفتي فلسطين أثناء الحرب العالمية، ويتضح من مذكراته مدى استغلالية المفتي والسعي إلى نصرة قضيته حتى بالعدم، و لا أدري ما المغزى من إستغلال أموال النازية لإنشاء راديوهات عربية من المهجر تحرض العرب على مقاومة ومحاربة الحلفاء وهم ليسوا متيقنين حتى أن أثير هذا الراديو يصل إلى الجمهور المستهدف! ضرب من العبث والجنون..

رافق البوري الملك ادريس الأول بشكل مقرب في بدايات حكمه الأميري -على برقة- والملكي -على ليبيا المتحدة-  ومن خلال وصفه له يمكن القول أن الملك ادريس هو مزيج من أسلوب مصطفى عبدالجليل، وعقيلة صالح، أي نموذج للملك السيء ضعيف الشخصية غير القادر عن فصل عواطفه الشخصية عن الحكم.

فعندما سفر الملك إلى مصر ترك الملكة حاملاً، ثم أخبروه في ما بعد أنها وضعت ولدًا وهي مازلت في شهرها السادس من حملها، فأطلق عليه اسم محمد، ووضع المولود تحت إجراءات خاصة. وفي أحد الأيام وصلت برقية في الصباح باسم الملك، ففةحها إبراهيم الشلحي وقرأها، ثم طلب مني أن اقرأها على الملك، فدخلت وكان لا يزال في ثيب النوم، فقلت له هناك برقية من طرابلس، فقال لي اقرأها، فسكَتْ، فنظر الي وسألني هل الأمير توفي؟ فقلت له البركة في راسك يا مولاي، ونظرت إليه فوجدته قد إنهار، ولم يعد بالرجل الأول الذي كان أمامي ، فخرجت مسرعًا وطلبت من إبراهيم الشلحي أن يذهب إليه، وقد بدا التأثر والحزن على الملك لمدة طويلة، وبعد أسبوعين وصلت الملكة للثاهرة وهب الملك لاستقبالها في المطار، وعادا إلى الفندق معًا فرأيت على وجهيهما الحزن والألم، ولا شك أن هذا الحادث المؤلم الذي وضع حدًا لأمل الملك في الحصول على ولي عهد  سيؤثر على سلوك الملك

غير أن حقيقة أخرى ظلت مغيبة، أن استقلال ليبيا الاتحادية لم يكن يحظى برضا نسبة من برقة الذين أرادوا أن يكونوا إمارة مستقلة بزعامة ادريس، أو طرابلس والذين رغبوا أن تكون ليبيا موحدة غير إتحادية ومن غير تاج ادريس، وأنه لم يكن هناك ابتهاج فعلي بهذا الاستقلال!

ونشأت الدولة في جو من الكآبة وعدم الرضا وحاصةً في طرابلس، وتشكلت حكومة ليبيا المستقلة برئاسة محمودة المنتصر وعضوية وزراء من طرابلس وفزان وبرقة.

كتاب يسرد من الحقبة الماضية الكثير، في طبعة جد حسنة، عملٌ يستحق الثناء، يستخلص منه أن ليبيا اليوم حكوميًا هي ذاتها في الخمسينات والستينات، وطالما أنها كذلك في هاتين الفترتين فإن عهدي الجمهورية كما الجماهيرية ليس بأحسن حالًا من هذا المشهد، في سرد البوري يتضح جليًا التخبط الحكومي الذي عانت منه ليبيا الملكية في كل من فترة الاتحادية والوحدة، التغيير المتكرر للحكومات واستمرار مراوحته توجهاتها الدولة ما بين رغبات السياسة المصرية والأميركية، لكن كل هذه الوقائع -المخزية- هي اليوم أشياء جميلة يتغنى بها في الساحات، يردد الصغار كما الكبار بأن فترة المملكة هي خير الفترات تطورت البلاد وازدهرت السياسة ونما الاقتصاد، لكن كل ذلك هو قطعًا مجانب للصواب، كما فترتي الجمهورية والجماهيرية التي يتغنى بها بعضنا الآخر اليوم كرهًا في الفترة الإنتقالية، هذا ما نجيد فعله نقد المشهد الآني وتزيين ماضينا مهما كانت تعاسته.

 

حينما سحرني الساحر..!

رواية الساحر
غلاف رواية الساحر

حفل توقيع… حسنًا وما علاقتي، أنا هنا فقط لاشتري كتبًا عنواينها قد تروقني أو ربما أغلفتها قد أجد كتابًا تاريخيًا أو فلسفيًا أو يتحدث عن السياسة أو شيء مشابه… لا تزال المنصة مكتظة، ما بالهم…

– هي امشي خوذ الكتاب وشوفه، أنت عادي وجهك صاح وماتتحشمش…!

هكذا قال معاذ صديقي الذي كان يرافني بمهرجان الكتب المستعملة بميدان الشهداء – طرابلس.

– إنت كان تبيه نعدي أنا نشري وتوا تعرف “شن في فوسطه”، هكذا رددت عليه وأنا أصطنع الحديث باللهجة الطرابلسية العسيرة على لساني الوسطي!

… على فرٍ كر، ومد وجزر إستمر هذا الجدال إلى أن حل المساء وبدأ القمر يصيح على الشمس أن أغربي عن وجهي فقد حان دوري تقدمت أنا وهو رفقة أنس نحو المنصة هو أخذ نسخة، وأنا جامد وراءه لم أقرر بعد ماذا اريد أن أفعل!

أنس هو من حسم الأمر وأخذ نسخةً ووضعها بين يدي وهكذا كنت تحت الأمر الواقع وحسم الأمر فكنت صحاب التوقيعة الأخيرة..

إلى السيد وسام … لك إحترامي 13-4-22

لم أكن يومًا مهتمًا بعالم الرواية فلست كثير القراءة ليس بمعنى أنني لا أقرا ولكن ليس لدرجة أن أسمى بدودة كتب رغم أن هذا المصطلح قد أطلق علي في عصر من العصور الغابرة من قبل بعض الاساتذة!

للتو إنتهيت من قراءة الساحر… ♥

هكذا جائني الـ SMS من معاذ، ليجعلني أفتح الكتاب وأقرا ما في جعبته من سحرٍ يخطف العقول… بداية غريبة لن تفهمها ماذا يقول هذا الشاب إنها طلاسم، إستمر إستمر لعلك تفهم شيئًا، أقرأ فاقرا إلا أن أحس أنني أشاهد فِلمًا أمامي نص وأنا مخرج هكذا لوهلة أحسست فلاش باك هكذا هي بداية الرواية لن تفهمها إلا أن تصل لمنتصفها تشعر بأنك قاربت للوصول إلى نهاية القصة فتصدم بأنها نهاية مغايرة تمامًا لما قد يخطر ببالك حينها تكتشف أنك ايضًا مسحور تسحر بجمال الرواية وتشعر بمدى ملامستها لواقعك… تعلم كم من ساحرٍ وساحر يحيط بك، تنشغل أنت تمامًا بالاحداث الصغيرة كما ينشغل بها عمر طاهر لتجد نفسك أنت مسحور …!

في دردشة بيني وبين أنس الذي هو بدوره قرأ الرواية تبادلنا الإعجاب بها… بكن شيء ما في عقلي “لانني من مجتمع محافظ كما تعلمون” قلت له أن بعض مما ذكر في الرواية لم يرقني، فهو على الفور وبطريقة “ردها علي إن أستطعت” قال أن هذه هي حقيقة المجتمع و و و .. هنا وافقتها في الرأي وزادت الرواية جمالاً واستحسانًا عندي..

لما أكن يومًا من المهتمين بقراءة الروايات، لكن سحر الساحر سحرني وجعل من الرواية سحرًا بالنسبة لي!.

شكرًا الساحر، شكرًا أ. نهلة العربي!