جسرٌ من القراء، للفرار من الحرب

في ظل حرب مستمرة ببنغازي لم تتوقف، العشرات يحيون اليوم العالمي للكتاب وسط الشارع رغم كل الظروف والأزمات لعيش تجربة جديدة.

اتسمت أيام الكتاب العالمي في السنوات الأخيرة ببنغازي قبيل الحرب بإقامة معارض للكتب المستمعلة وأخرى لكتبٍ جديدة في معظم الأحيان إلى أن اندلعت الحرب، بعد عامين أعيد إحياء يوم الكتاب بالمدينة مجددًا وإن كان بصيغة مغايرة هذه المرة كما رأى منظموها ومشاركون بها؛ فعلى إمتداد شارعٍ رئيسي تجمع عدد من الأهالي ليقرؤوا لمدة ساعة تقريبًا، مكونين بذلك “جسرًا بشري” للقراءة دعت إليه مؤسسة تاناروت الثقافية. يقول صهيب الغويل (26 سنة) أحد منظمي الفاعلية، أنهم في كانوا قد بدأوا قبيل حوالي الشهر من يوم الكتاب في مناقشة الأسلوب الأمثل لإحياء هذا اليوم، غير أنهم لم يبدأوا في التحضير له فعليًا إلا قبيل حوالي الأسبوع من الموعد.

نحو الشارع مباشرة
’’كل النشاطات المتعلقة بالثقافة عادةً ما تكون في قاعات مغلقة، ويوم الكتاب لا بد أن يكون ملامسًا للناس مباشرة دون حائل ليعطي أثرًا أكبر‘‘ يقول محمد الترهوني مسؤول فاعلية “جسر القراء”، مشددًا على أهمية توسع قاعدة المستهدفين بنشاطات احياء أيام اليونيسكو بصفة عامة لما لها من طابع إنساني مهم وليتلافى الناس الخيبات السياسية الحالية حسب رأيه.
ولم يكن اختيار شارع دبي بمحض المصادفة حسب عضوة تاناروت عائشة خليفة، حيث قالت أن الاختيار قد جاء بعد دراسة مسبقة فهو إلى جوار أنه شارع رئيسي مهم بالمدينة وشديد الإكتظاظ، فإن به بيئة ميسرة لولوج الأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي يفترض به أن يوسع قاعدة المشاركين والتي ضمت حضور ناشطي المجتمع الدني وذوي إعاقة وكذلك رجال أعمال وأطفال.
نشر الثقافة
تؤمن عائشة بأنه من شأن هذه الفاعلية ومثيلاتها أن تكون مسارًا لبناء البلاد ببناء الإنسان وتثقيفه لنفسه حيث إن الفاعلية تسلط الضوء أمام الجميع في الشارع على الكتاب وأهميته لإنضاج الفكر. وتعتبر مبروكة جبريل (50 سنة) أن الفاعلية يمكنها أن تشجع على القراءة والتزود بالعلم وتخلق الحافز لذلك، كون “الشعب بصفة عامة ميال إلى أن يستمع أو يشاهد على أن لا أن يقرأ” بحسب قولها، القول الذي لا تبتعد عنه نجاة (59) كثيرًا فهي تصف الوضع الحالي بالمأساة مُرجعة ذلك إلى “الإبتعاد عن القراءة والتثقف بأميال عدة”.
تنتشر مجهودات بسيطة حثيثة في عدة مناطق من ليبيا للتحفيز على القراءة والمطالعة لكن الفاعلية هذه اتسمت بأنها ذات “لفتة عصرية مستحدثة” بحسب رأي رشيد عبد الله (24 سنة) والذي يرى أنها تتطلب شجاعة كبيرة لتنفيذها لعدم تقبل الناس لها حاليًا كونها ثراء فكري محض في ظل الظروف الراهنة التي تجعل من المواطن منشغلًا في البحث عن قوت يومه الذي يمكنه من الملبس والمأكل دون الإلتفات لأي شيء آخر – وإلى ذلك يضيف رشيد: ’’ما أن يتم حل المشاكل الحياتية سيكون هنالك قابلية وانفتاح أكبرمن معظم الليبيين بشأن القراءة‘‘. ويقول جمال بخاطرة (56 سنة) والذي كان مارًا مصادفة عبر شارع دبي حيث استوقفه التجمع فشارك فيه أن “هذه أكبر دعاية للكتاب يمكن أن تقام، حيث سيثار اهتمام الناس المبتعدة عن الثقافة والكتب بعد أن يشاهدوا أناسًا آخرين يقرؤون الكتب في الشارع”، بل إن بخاطرة يأمل حتى أن تعم “ثقافة استثمار الوقت” في قراءة كتاب ما أثناء الوقوف في طوابير المخابز في ظل الأزمة الحالية بدلاً من هدره في الإنتظار والغضب.
موسيقا الشارع
فاعلية جسر القراء لم تقتصر على القراءة فحسب، فقد شهدت أيضًا حضور فرقة تاناروت الموسيقية وقيامها بعزف مباشر في الشارع، الأمر المستحدث والذي لم يسبق أن أقيم بالمدينة. المغني مصطفى عبد المجيد أشار إلى أن ’’الحياة قد تطورت‘‘ وأنه باث بإمكاننا اليوم عزف الموسيقى في الشارع مباشرة وملاقاة استساغة من المجتمع. بينما استبقت نجاة أي انتقاد قد يوجه إلى إقامة حفل موسيقي بالشارع بقولها أن ’’الموسيقى غداء الروح مثل الكتاب، فلا ينبغي أن يتحاذق علينا أحد بتحريم أيًا من الكتاب أو الموسيقى لأي سبب‘‘.
فاعلية “جسر القراء” لم يكن من المقرر لها أن تشهد حفل موسيقي بسيط من قبل فريق تاناروت فقط بحسب صهيب الغويل، فقد كان المنظمون يسعون إلى أن يكون الحدث أكبر بحيث أن يكون هناك حفل موسيقي أكبر في الشارع يشارك فيه هواة العزف والموسيقى غير أن تخوف المنظمين من “الوضع العام الحالي” جعلهم يقتصرون الحفل على فريقهم الموسيقي حصرًا.
كتب مجانيّة
بحسب منظمي فاعلية “جسر القراء” فإنه وبالمجمل قد تم توزيع قرابة الألف كتاب على الناس معظمها قد اهداه مجلس الثقافة العام للفاعلية، وأن عدد القراء المشاركين قد قارب 300 شخص، حيث وزع المنظمون الكتب على القراء الجالسين على الرصيف إضافةً إلى السيارات المارّة في الشارع. يقول الغويل أن الهدف الأساسي لديهم كان إيصال أكبر كمية من الكتب المجانيّة للعامة وتشجيعهم على القراءة، ويرى أنهم قد نجحوا بذلك، كما أبدى إعجابه بمدى تجاوب الناس مع فكرة جديدة بشكل إيجابي حيث لم يتعرضوا لأي مضايقات أو عراقيل، قائلاً: ’’طالبنا بتواجد بعض العناصر الأمنية لضبط الوضع في حال وجود أي خلل، لكننا لم نحتج إليهم بل إنهم حتى شاركوا مع باقي الناس في الجلوس والقراءة وآخرين في الرسم‘‘، لكن ذلك لا ينفي أن توقعاتهم بشأن زخم الحضور قد خابت أيضًا، فالغويل يقول أنه كان يتوقع حضورًا أكبر للفاعلية إلا أنه أرجح أسباب الضعف إلى حالة الطقس الحار، وتوقيت الحدث، كما أقر بأن سوء الدعاية كان قد لعب دورًا مهمًا في ذلك.

أما نعيمة جبريل فهي تأمل أن تنظم الفاعلية مرةً أخرى العام المقبل في شارع عمر المختار في وسط المدينة بعد أن يتم ترميمه وتنظيفه من الألغام ومخلفات الحرب وعودة الناس إليه، آمال يرنوا أهالي المدينة إليها ويصابرون على معاناة حربهم ويهربون منها ولو مؤقتًا بمطالعة كتاب!

سنة أولى تعليم ليبي

بداياتي في المدارس ديما كارثية، زي ما كنت طالب مثالي في كل مدرسة قريت فيها، أنا كنت نموذج مثالي لحالة رهاب المدرسة في الأيام الأولى.

لأربع سنوات قراية مع باكستّان ومصريين ولبنانية وسوريين، 4 سنوات من مجتمع بعادات مختلفة واسلوب تواصل مختلف، انتقلت أنا وأختي فجأة لعالم مختلف تمامًا مش زي اللي تعودنا عليه، قعد لازم ما نحضروا طابور، وقعد لازم ما نقولوا نفس اللي يقولوا فيه مئات الطلاب اللي زينا ولو أننا مش فاهمين همّا فيش بقولو! أيام المواظبة على القراية في المدرسة كل يوم من 8 الصبح لعند 2 العشية تغير، وقعدت القراية بس من 12 ونص الظهر لعند 4 العصر، المدرسة المش نظيفة نسبيًا والصغيرة قعدت كبيرة وفصولها واجدة..

كنّا طلبة ليبيين الجنسية في مدرسة ليبية في العاصمة الليبية، لكن كنا أجانب؛ في الطابور كانو يعيطو بعرب ثوار، وبنحن الأشبال والسواعد وحاجات أخرى ما عمرنش سمعنا بيها، عيطنا معهم كيف ما فهمنا من عياطهم، عيطنا وقلنا نحن الأشباح، نحن الصواعق، ببراءة مطلقة!

أول ساعة في التغيير الكوني اللي صار وحولنا من نظام تعليم باكستاني “دسم” لليبي “لايت” كان صادم؛ في أخر درج في الفصل قمعزت أنا و@Ibtesam_Ly، بكوشين في آخر الصف، مش لابسين الزي، اللي في الفصل كلهم يشبهو لكلهم نفس اللبسة، أو “الزي” كيف ما تعودنا بعدين، الحصة الأولى، المادة مجهولة، لكن الأبلة شكلها مش حتجي، الأبلة غايبة.

من اليوم الأول في المدرسة الليبية، تعلمت طقس من أهم طقوس وشعائر المدرسة، “أوقفي عليهم” هذي الجملة اللي قلتها أبلة خشت 3 دقايق للفصل هدرزت وضحكت شوية مع بنت بيضاء شعرها أشقر النمش مسيطر على وجهها، سألتها في البداية “كيف حال ماما؟” وكلام أخر ما فهمتش علشان تقوللها في النهاية أوقفي عليهم..

صبت عيشة قدام الصبورة وفي يدها تباشير أبيض من لون وجهها، بدت تكتب في اسماء وحدين ع الصبورة، ناس مانعرفهمش توا لكن حنعرفهم لعند صف سادس.. من أول ما صبت عيشة ع الصبورة تغير الوضع في الفصل في مجموعات بطلت دوة وجمدت في مكانها ومجموعات لا، الهرجة ما وقفتش لمّا صبت، لكن استمرت بحذر!

أصحاب عيشة البنات اللي قدام من حقهن يهدرزن غيرهن لأ، هذي واضحة، فمي مازال مسكر ومافيش حاجة فيّا تتحرك غير عيوني اللي ترمش وريتي اللي تتنفس من خشمي، بعد 10 دقايق من وقوف عيشة علينا، جت لآخر الصف، صبت قدامي وسألت “شن اسمك”، ببلادة أجبت وسام، ردت للصبورة وكتبت ويسام، في الوقت هضكي اتضايقت واجد مش عارف لأنها كتبت ويسام أو لأنها تبلت عليّا، مش واضحة الذكريات اللي عندني، وين ما كانت عيشة البيضاء توا، يا ريت تكون تعرف تكتب وسام كويس!

“علشان هكي انتَ راقي”

لست مؤمنًا بأن للعرق أي دور في تكوين البشر من ناحية التفكير والتصرفات، فالامر هو نتاج لاسلوب حياة تراكمي يخلق للانسان فكر معين يكمل به مشوار حياته…
في يومٍ من الأيام الحارة في شهر ابريل من إحدى الأعوام وبينما كنت في حصة “الورش الهندسية” إحدى أثقل المواد واكثره حشوًا دون فائدة، وفي إحدى المدارس الطرابلسية المزودة بأجهزة التكييف لكنها منظر فقط، وبينما تستمر مُدرسة المادة في سرد وتلاوة ما يقع أمام ناظريها في كتاب المادة، يفتح باب الفصل مقاطعًا صخب الملل والانتباه المصطنع من الطلاب الازيد من ال30 في ذلك الفصل الصغير…
– معليش يا أبلة، نبو شوية معلومات من الطلبة…
المتحدث هم مجموعة من مكتب “الخدمة الإجتماعية” في المدرسة، شرحوا لنا ما يريدون، إم الأب والأم وجنسية كليهما واخيرًا اسمك وزعت الاوراق وبدأ الطلاب في تدوين المعلومات…كلٌ حريص على ان يكتب المعلومات بسرية ويخفي ما يكتب… فيحني ظهره ويمد ذراعه بما يعيق زميله من مشاهدة ما يكتب… شارف الجميع على الإنتهاء، وبدأ دافع الفضول على مُدرستنا الفاضلة… “فالقصقصة لا دين لها”، تقترب كل مرة من طالب وتشاهد ما دّون من معلومات وتسأله اسئلة من نوع :
– امك انت اللي تقري في مدرسة الفيحاء؟
– شن يقربلك فلان ولد علان؟
– انت آل فلان اللي في منطقة كذا؟
واستمر هذا النوع من الاسئلة، إلى ان وصل دوري في هذه الجولة التفتيشية… أخذت قصاقة الورق مني بعد ان فرغت من تدوين كافة المعلومات المطلوبة، إستوقفها جنسية أمي… أمي مغربية، نظرت إلي بذهول وعينين متسعتين ’’ أمك مش ليبية، علشان هكي أنت راقي!!‘‘ بعد جملتها تلك سكتُّ عن الكلام لوهلة، وأبتسمت إبتسامة عريضة وقلت لها بضحكة “علشان هكي..”!
 ما علاقة العرق بالاخلاق أو نمط الحياة يا قوم!
غريبٌ أمركم…